الله سبحانه وتعالى خلق ما في الأرض جميعا .. وخلق لها الأسباب التي تتفاعل بها .. والقوانين التي تحكمها .. والله سبحانه وتعالى حين قال ( كــــــن ) .. تم الخلق في نفس اللحظة ولكن الأسباب تفاعلت في السماوات والأرض في ستة أيام .. وهي ستة أيام كأيام البشر لأن القرآن يخاطب الإنسان .. ومن هنا فإن كل ما يتحدث عنه موجه إلى القدر البشري .. والعقل البشري .. سواء كان ذلك حاضرا أم مستقبلا مما يخفى على عقولنا الآن ولكن هذه القوانين والأسباب لا يمكن أن تكون قيدا على طلاقة القدرة .. ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لو قضى بالأسباب وحدها في الأرض .. لعبد الناس الأسباب .. ونسوا المسبب أو الخالق .. لذلك بقيت طلاقة القدرة لتلفت الناس إلى أن الذي خلق الأسباب لا تقيده هذه الأسباب في قدرته .. وإنه يفعل ما يشاء .. عندما يشاء .. وقتما يشاء .. لذلك نجد إنسانا آخر يعمل قليلا ومع ذلك فرزقه وفير وإنسانا ضعيفا ينتصر بقدرة الله على إنسان قوي ظلمه .. تلك ليست القاعدة .. فالقاعدة هي الأسباب .. ولكن طلاقة القدرة .. تأتي .. وتأتي بشكل ظاهر لتلفت الناس إلى قوة الله وقدرته إن هذا الحديث لا يعجب أناسا كثيرين من أولئك الذين تعلقوا بالحياة المادية .. ذلك لأنهم ينسبون إلى الإسلام أنه دين يحض على التخلف بسبب الإيمان بطلاقة القدرة .. ويقولون إن قول الله تعالى : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. هو مدعاة لئلا يسعى الإنسان في الرزق .. فما دام الله يرزق .. مع ما يورثه للنفس من مشقة ومما تكره .. وقبل أن نجيب على هذا السؤال .. نطرح قضية هامة معاصرة .. تفيق هؤلاء الناس إلى صدق قول الله وتجعلهم يعرفون يقينا صدق الآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. هؤلاء الذين يطعنون الدين في هذه الآية .. يعبدون الأسباب ويتخذونها إلها .. فكل رزق مساو للعمل الذي يتم من أجله .. فأنت إذا علمت ليل نهار .. زاد رزقك .. وإذا عملت بضع ساعات مثلا قل رزقك .. وهكذا .. تلك هي القاعدة التي يتبعونها في أن كل رزق يجب أن يكون مساويا للعمل الذي يتم من أجله نقول لهم .. إن هذا قد يكون صحيحا كقاعدة عامة .. ولكنه لا ينفي قول الله تعالى : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. ولنلاحظ في الآية الكريمة قول الله : ( من يشاء ) .. ولم يقل سبحانه وتعالى أرزق كل الناس بغير حساب .. بل لكل رزق معلوم على قدر ما أتاحه الله من علم وجهد له .. ولكن هناك المشيئة .. أو طلاقة القدرة .. تعطي بغير حساب .. أو بغير أسباب وإذا نظرنا إلى دول البترول .. تلك التي تملك القوة الحقيقة في المال أو في الرزق في العالم أجمع .. إذا نظرنا إليهم .. نجد أنهم أكثر الناس رزقا أو مالا .. بل هم قد فاقوا في الزرق تلك الأمم التي فاقتهم في العمل والعلم .. وأصبحت تتجه إليهم ليدعموها في الرزق .. فأمريكا وأوربا الغربية من أكثر الدول عملا وعلما .. ولكنها في اقتصادها .. وتحاول أن تجذب أموال دول البترول لتستثمر في بنوكها .. بل إن دول البترول تستطيع أن تفلس أكبر دول العالم كأمريكا وألمانيا الغربية واليابان .. إذا هي سحبت دعمها الاقتصادي لها .. وأوقفت مشترياتها منها إذن من الذي يملك القوة الاقتصادية الحقيقة في العالم .. إنها دول البترول .. فهي التي تملك المال أو الرزق حقيقة .. وهي التي تستطيع أن تتحكم ليس في رزقها فقط .. ولكن في اقتصاد العالم كله .. وذلك بشهادة كل الماديين وغير المؤمنين في العالم يرزق من يشاء .. بقي بعد ذلك الشق الثاني من السؤال .. وهو إذا كانت دول البترول قد وصلت إلى هذا المركز الذي يتحكم في اقتصاد العالم أجمع .. فلا بد أنها قدمت حسب النظرية المادية من العالم والعمل ما يفوق ما قدمته دول العالم أجمع .. ولكن هذا غير صحيح .. فهذه الدول تقدم علما وعملا .. بل إن اكتشافات البترول قامت بها شركات غربية من الدول التي تخضع الآن اقتصاديا لدول البترول .. أي أنه حتى العمل القليل الذي تم .. تم بواسطة خبراء .. جاءوا وبحثوا .. وآلات ومعدات تكنولوجية استوردت من دول أخرى .. فكيف يمكن تفسير ما هو حادث .. لو أن القاعدة على إطلاقها أن الأسباب هي التي توجد أكبر قوة اقتصادية في العالم .. وفي زمن قياسي .. لا يستطيع العمل والعلم خلاله أن يحدثا ذلك .. فلكي تتطور دولة .. أو عدة دول .. لتصبح أغنى دول العالم .. فإن ذلك يتطلب بجانب العمل والعلم فترة زمنية طويلة .. ولكن هنا .. لا الزمن .. ولا العلم .. ولا العمل تتناسب مع الرزق .. إذن من الذي أوجد هذا الرزق .. الله سبحانه وتعالى مصداقا للآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) هنا يجب أن يتوقف الحكم المادي الغربي الذي يأخذ الأسباب على إطلاقها .. والذي يطعن في الآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. ويدعي أنها لا تتمشى مع تطورات العصر .. وتقدم العلم ومقاييس الزمن .. نقول له قبل أن تتسرع في اتهامك .. تأمل في الكون .. تجد في كل مكان رزقا لمن يشاء الله بغير حساب .. هذا الرزق يلقي بالأسباب بعيدا .. لتأتي طلاقة القدرة وتعلن أن الله يفعل ما يشاء .. عندما يشاء .. وقتما يشاء .. وأنه إذا كانت الأسباب موجودة .. فإن طلاقة القدرة موجودة في الكون .. وأعتقد أنه لا أحد يستطيع أن يرد على هذا النقطة .. أو يدعي ظلما وبغير حق أن الآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. ليست حقيقة كونية . . موجودة منذ خلق الله الأرض .. وستظل إلى قيام الساعة .. ونحن نطلب من كل من يستطيع الرد على ذلك أن يتكلم نعود بعد هذا اللمحة إلى طلاقة القدرة .. لماذا أبقى الله سبحانه وتعالى طلاقة القدرة في الكون ولم يتركه يتفاعل بالأسباب وحدها ؟ الذي حدث .. أن الأسباب .. أو المعطيات المادية .. تعطينا ظاهر الحياة .. وتنظم سيرها العادي .. ولكن إبقاء هذه الأسباب وحدها فيه بعد عن الله سبحانه وتعالى .. ذلك أن الله قد مكن بعض خلقه من الأسباب في الأرض .. ليسير الكون وتمضي الحياة .. فهذا رئيس للدولة .. وهذا ميسر له أسباب النفوذ والسلطان .. وهذا ميسر له أسباب المال .. إلى آخر ما نراه في الدنيا كلها .. وجعل الله العطاء ظاهرا من الأسباب ليسير الكون .. ثم ماذا حدث .. جاء إلى الكون أناس ماديون .. يحاولون أن يضلوا عن سبيل الله بالأخذ بالأسباب وحدها .. فهذا يملك المال وهو يستطيع منحي ما أريد إذا فعلت له ما يطلب .. وهذا يملك الجاه والسلطان .. وهو يستطيع أن يعطيني منه ما أريد إذا فعلت له ما يطلب .. وهكذا ظاهر الحياة الدنيا هب أن هؤلاء الناس لا يخشون الله .. انهم طلبوا مني أن أفعل ما يغضب الله من أجل منصب .. أو جاه .. أو مال .. فماذا يكون الموقف .. لو كنت أعبد الأسباب وحدها لنفذت لهم ما يريدون .. لأصل إلى حاجتي .. أو ما أريد .. فإذا قال لي صاحب المال .. أو صاحب النفوذ والسلطان اقتل وسأعطيك كذا وكذا .. لفعلت ذلك بلا تردد .. إحساسا مني بأن عطاء الأسباب في يد هذا وحده .. وأن معصيته ستؤدي بي إلى التهلكة وتحرمني من مقومات الحياة .. وأن طاعته ستجعلني أعيش الحياة الرغدة التي أتمناها في الدنيا .. وبهذا .. وبغير ما نظر إلى ما قال الله افعل ولا تفعل .. انطلق أنا لأحقق هوى وشهوات .. ذلك الذي يملك المال أو الجاه أو السلطان .. ولو كانت تغضب الله .. وتمضي الأسباب لتؤدى إلى عبادة الفرد .. حيث يصبح الهوى الشخصي .. والغرض البشري .. هما الأساس في الحياة .. فيفسد الكون كله .. ولا تمضي الحياة وفقا لمنهج الله الذي يحمي الإنسان الضعيف من بطش القوى .. والمظلوم من قدرة الظالم .. ولكنها تكون حياة وفقا لهوى النفس .. فيصبح الذي يحكم هو شهوة الحاكم وليس دين الله هذه هي خطورة الأخذ بالأسباب وحدها .. وهي خطورة تعرض الكون كله للاختلال .. وتضيع موازين العدل .. وتكثر من البغي في الأرض والفساد .. وما من أمة عبدت الفرد إلا وانتشر فيه الظلم .. وعم فيها الإرهاب .. وضاع فيها الحق واستعبد فيها الإنسان .. تلك حقيقة تستطيع أن تدركها إذا نظرت إلى أي دولة نصب حاكمها نفسه إلها .. يعبد من دون الله في الأرض .. وهي حقيقة منذ بدء التاريخ في عهد فرعون حتى عصرنا هذا .. والله سبحانه وتعالى قد شدد العذاب على أولئك الذين يعاونون هذا الحاكم .. ويفعلون له ما تهوى نفسه ويغضبون الله سبحانه وتعالى .. فخص آل فرعون دون سائر خلقه بأنهم منذ ساعة أن توفاهم حتى يبعثهم يوم القيامة يعرضون على النار صباحا ومساء .. فقال سبحانه وتعالى : ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب ) أي أنه لم يخصهم فقط بأشد العذاب يوم القيامة بل زادهم بالعرض على النار غدوا وعشيا إلى يوم البعث .. وتشديد العذاب هنا متناسب مع شدة المعصية .. فعبادة الفرد هي إطلاق للشهوات والظلم والإفساد
__________________